في مديح الصوت
صوتها مرآة جليلة
أبصر وجهي في صفائه العظيم ,
أبصره أليفا كقمر بليغ ,
ووديعا كهديل الوردة.
صوتها مرآة تتبرج في حدائقها
أشجار طويلة من ذهب ,
وغزلان من لؤلؤ.
كلما حدقت في فضائها
رقصت أمامي كواكب الماء,
وتمايلت أعذاق الذاكرة.
صوتها مرآة شفيفة كالندى
أبصر فيها طفولتي البيضاء,
وأعراسي الحافية .
أتأمل أفقها الشجي ,
فتسترد الروح براءتها الخضراء
ويستعيد القلب صهيله الفصيح .
صوتها فاكهة الجسد ,
وحرائق الأعضاء ,
حمى المساء الخيلي,
وقطفة القبلة الأولى.
صوتها وجههاالعصي على الذبول ,
مغسول بماء الضحكة ,
وضفة الشهد .
وجهها الذي لم أره ,
ألفيته في مرآة صوتها نهرا من سكر ,
وسربا من صبايا الفل .
وجهها الذي لم أره
تجلى في توت الصوت صوفية مقدسة ,
وصلاة أخرى .
قصيدة برق ,
وأجنحة من مطر ,
سرادق أغنية ,
والتماعة سيف الرقصة .
صوتها بلاغة النهر ,
وعبقرية السواقي ,
كحل الفؤاد ,
وبخور المآذن ,
بشاشة الوردة
ومسك الصحراء ,
أناقة الجدول ,
ونسيم الحرير .
صوتها مدينة تتزوج البحر ,
وتولم للنخيل الشموع .
نهار جهور كفصاحة بلبل طليق ,
نزهة الشمس في بساتين الضحى ,
عرس المراكب الجريئة ,
وعناقيد عذوبة الأحلام .
صوتها قلبها حين يصهل في فلاة العشق
صوتها قلبها .. ساطع كذكاء المصابيح ,
كفضة الأعماق ,
وعنبر الضفاف .
صوتها مسرح الماء
يتقاطر في غابة الرمل .
فيروي قنوط اليابس ,
ويعشب عتمة الحجر .
يقود الطين إلى علياء النبع
فيستحيل حقول نساء
ويحرض المهمل في أقاصي الروح
ليغدو بستان حياة خصيبة ,
ووعد أجراس .
صوتها فطنة الليل ,
وسهرة القناديل .
حوار غصنين في شجرة الصمت
وعناق قطرتين على مشارف وردة
صوتها شمعة الأرض
ونحيب ناي مسهد
بصيرة العطر ,
وطفولة نجمة سخية .
صوتها أريج حوريات
وضوع الفراديس ,
أنفاس جنة ,
وبشارات جنين
وشموس السرائر .
صوتها خرير دعابة
وإجفال فرس الرغبة ,
ثكنة فراشات ,
وياسمين نافذة مقمرة .
صوتها موال ريح ,
رائحة هيل سافرة ,
وفقه الجهات .
شهيق موجة حرون ,
وحديث أساور في غفلة المعصم .
بوح عصفورين في شتاء العش ,
ملامسة مجداف لنهد نهر عال ,
وغواية التربة للجذر .
صوتها صرير باب القلب
حين يتفتح مرحبا
أشواق بيت يتلفت إثر هجرة الساكنين
عتاب عاشقين في إغفاءة الزمن
كركرة صبية تعبر المستحيل
خطى أقدام صغيرة فوق جسر البنفسج الكريم
تهامس عتمة ومصباح .