أعلّقُ أطفالي اليتامى على السّاعة
مخفياً ملامحي بقناعٍ فصّلتُهُ ليُخفي عَيْنَيّ و شَفّتي العُليـا
بيدَ أنّ السّفلى آثَرَت يَدَ سارِقِهـا واختَفَتْ
عن فَمي المائل .
فاتَحدتُ مَعَهُ دونَ سالِفِ إنذار . نَظَرْتُ إلى طـاولَتي المُهتَرِئَه
فرحَّبَت حاويَةُ سجـائِري ! هـل مِن لُفـافَةِ تِبغٍ أحتَويكَ بِها .؟!
مـا إن أَبَحتُ لِنَفسي حقّ الإختباء , إلاّ و تناثَرَتْ أوراقي فـزعـا ً
و قبّلَتْ الأرْضَ مُستَجيرَةً بِقَدَمي ! :
إن بِعتَني بثَمَنٍ بَخسٍٍ لفِكرَةٍ عانَيْتَ مِنها ؟!
فإنّي إذا استَجيرُ بيدِكَ مِنك .
صَه ..
فإنّي :
حـزينٌ .. حَزينْ ؟!
نـعم مِنذُ أن غرسْتُ قدمَيَّ بأعتابِ اللّيْل
طالِباً مِن أزقّة الحَيّ التِهامي , و دَفني تَحتَ تُرابِ مِئذَنَه .
جـائِعٌ .. جـائِعْ ؟!
مَيِّتٌ .. قطّعَ أمعاءَ الرّجاءِ جـوعي ..
حيْثُ أنّ لساني قُطِعَ .. فضمّهُ زَبَدُ الصّمتِ سِنينَ غُربَه
, و لَمْ يرأف فقيرٌ بيَدي فبَتَرهـا .. حينَمـا نوَيْتُ بالتّصدُّقِ على نيَةِ المرحومِ ( وَطَن )
, وَ عينٌ مفقوءَة .. حينَمـا أرَدْتُ سَترَ أمّي , فاتُّهِمتُ بِها !.
خـائِف ؟!
لَسْتُ أخافُ الـواقِع , أو مـا هوَ آتْ !
و إنّمـا أخـافُ مِنَ الخـوفِ أن يتملّكَ عَقليَ المُستَتِرْ
خلفَ عقلي الحزين… و أرتَعِب !
أرتعب !
مِن كُلِّ شَيءْ حتّى نَفسي .
حـزينٌ , جـائِعٌ .. و جِدُّ خائِفْ .
أتجوّلُ في المدينَة بحذائي العاجي و لا لي برَفع رأسي
مخافَة أن أحدهم دسّ لي تَحتَ جُنحِ الغيابِ حصاةً تَكسُرُه ,
فتَبتَلُعني الحاناتْ و تُخرجُني مِن أبوابِها
كإمرأةٍ عَجوز تَلفِظُ نتانَةَ أنفاسِها مِن رئَتِها المُحرّمَة .
لتَتَلقّفُني أعيُنِ البَشَر فتَستَكينُ بي !
غارِسَةً بأعيُني جُلّ حُزنِ الأرضِ و انتِكاسـاتِ الأحلام .
فأرتَضيها مُحسناً وفادَتها .
لا لأنّي قدِّيس مَرفـوع عـن الآثام !
و لا لأنّي و ليّاً لي كَراماتٍ اختصّتني بها السّماء !
و لكنّ فَرقي عـنهم ؟!
أنّي أعرِفُ كَيْفَ تَحيا الأمواتُ مِن الدّمع
عندَ هطولِها مِن أرواحٍ سابِعَة .
فأضحَتْ ملامِحي كَشَيْخٍ ذو وَجهٍ
أجرَبْ تَلْحَظُهُ العيون و تَبصُقُه الرّأفة ,
مخافَتي !!
أن يُطيلَ الكونُ مُكوثَهُ بي , مـا إن أتيحُ لنَفسي حقَّ الغيـابْ .
حين تأتيَ العاصِفَة و تُسدِلُ المَدينَة ستائِرَها و تَنتَحِبُ الأشجار ,
بينَما نُثارُ الرّمل العاجِز يَنقُرُ زُجاجَ النّوافِذِ و الأرصِفَة ,
بينَمـا مـاتَ حقّي في الغيابِ عنوة .
رُبمـا !